قلعة النبي هوري وتغيير المعالم الاثرية

تداولت عدة مواقع إعلامية و منظمات حقوقية مؤخراً صور لموقع ” مزار قلعة النبي هوري ” و سعي حكومة الإحتلال التركي إلى تغيير المعالم التاريخية للمزار و تحويله إلى جامع ( علماً بأنه في السابق يحتوي على جامع ) لكن ما يثير القلق لدى أبناء الشعب الكُردي التجارب المريرة التي مرت عليهم من مشاريع عنصرية – شوفينية ، بهدف القضاء على تاريخهم الحضاري و تغيير معالمهم الأثرية التي تدل على وجود السكان الأصليين الكُرد فيها منذ عدة قرون .
منذ إجتياح قوات الإحتلال التركي برفقة الميلشيات المسلحة ” الجيش الوطني السوري الحر ” التابعة للحكومة السورية المؤقتة ” الحرة ” و الإئتلاف الوطني السوري ( آذار 2018 ) و إحكام السيطرة التامة بإستخدام القوة العسكرية بهدف القضاء على القضية القومية للكُرد و إبادة الشعب الكُردي و نفي حقوقه المشروعة المنصوص عليها في المواثيق و العهود الدولية ، و ليس بهدف دعم المعارضين للنظام السوري الحاكم في دمشق _ كما يروجون _ و تحقيق الحرية و الكرامة للشعب السوري عامة .
لهذا تستخدم الحكومة التركية مختلف الأساليب لتنفيذ مشاريعهم الإستيطانية التوسعية ، و تستخدم قادة و عناصر الميلشيات المسلحة كأدوات للسرقة و النهب و محاربة السكان الأصليين الكُرد في لقمة العيش و تدمير البنية الإقتصاديه الأساسية ، إضافة إلى نهب خيرات منطقة عفرين ” جياي كورمنج _ كورداغ ” و ثرواتها التاريخية – الحضارية من خلال البحث و التنقيب عن الآثار في عدة مواقع تدل على عراقة و حضارة الكُرد منذ عدة قرون بإستخدام مختلف الآليات والمعدات الثقيلة و الأجهزة المتطورة للكشف عن اللقى والآثار و تخريب الطبقات الجيولوجية للمواقع الأثرية و إتلاف الدلائل التي تؤرخ لتاريخ المنطقة بهدف إخفاء هويتها و معالمها .
إذ قامت بتجريف التربة بشكل ممنهج في عدة مواقع كما أزالت الآثار العائدة للكُرد الإيزيديين من مراقد و معابد و زيارات ( عرش قيبار _ قسطل جندو _ باصوفان _ براد _ كيمار _ عين دارة _ سنكرلي _ بافلون ) وصولاً إلى القيام بعمليات الحفر في الأراضي و الحقول للبحث عن القطع الأثرية ( قرية سديانكة _ عرب أوشاغي _ تل كمروك _ تل عيشة _ زرافكة _ تل عين دارة _ تل حسيه ) و على غرار ما تم في معبد عين دارة و كهف دوداري و تل برج عبدالو … الخ وصولاً إلى نقل الأحجار الضخمة العائدة للحمام في قرية حمام التابعة لناحية جنديرس بواسطة سيارة شحن (صنع صندوقاً خصيصاً لنقل تلك الأحجار ) و هي مدرجة على لائحة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو في منطقة عفرين ، و للعلم بأن أغلب التلال المذكورة تعد من المعالم الأثرية و مهداً للرهبانيات في كُردستان سوريا خلال القرون الأولى للميلاد .قد أشرنا سابقاً إلى أحد التلامذة ” مارليانوس الرهاوي ” دير جنديرس في أواخر حكم الأمبراطور قسطنطين 306_ 307 ميلادي .
كما أدعت بعض الوسائل الإعلامية التركية أواخر تموز 2018 على لسان أحد المؤرخين ، بأن الجيش التركي أكتشف منزلاً في قرية حج خليل التابعة لناحية راجو عائد ملكيته للمواطن حنيف آغا ، قد أتخذه مصطفى كمال أتاتورك مقراً له إبان الحرب العالمية الأولى 1918 في مواجهة البريطانيين و حقق النصر آنذاك و لهذا قرر والي هاتاي ترميم المنزل و تحويله إلى متحف .
كما طال التجريف قلعة النبي هوري ” سيروس – أجيابولس- مدينة القديسين : كوزما و دميانوس ” هذا و قد مرت عدة حضارات على موقع النبي هوري أقدمها من الفترة الهلنستية عام 280 ق م و التي جرت سرقتها من خلال الآليات الثقيلة المتطورة في الحفر و المعدات عن كشف الآثار و العثور على لوحات فسيفسائية تم تهريبها إلى تركيا عبر تجار بتواطئ من قوات الإحتلال التركي و الميلشيات المسلحة ” الجيش الوطني السوري الحر ” . إذ قامت قوات الإحتلال التركي لأول مرة بتاريخ 11/07/2018 بحجة البحث عن الألغام و من ثم تكررت عمليات السرقة و النهب للآثار و اللقى لأكثر من سبعة مرات ، و في الآونة الأخيرة أعلنت مديرية أوقاف ولاية هاتاي بتاريخ 15/05/2020 ترميم مزار النبي هوري و مسجد عمر بن الخطاب في منطقة عفرين ، مدير أوقاف هاتاي ” أوميت غوكهان جيجك ” أعلن في مؤتمر صحفي ” بأن المديرية العامة للأوقاف تولي أهمية كبيرة لترميم و إحياء الآثار التي خلفها الأجداد في سوريا كما هو الحال في البوسنة و الهرسك و كوسوفو و شمال مقدونيا و من الطبيعي أن أعمال الترميم في قلعة النبي هوري لن تستهدف إيجاد تغيير جوهري في الشكل ، بل في دلالته و إيحاءاته التاريخية، فالموقع شاهد تاريخي مهم تم إهماله ، رغم إحتوائه على كنوز أثرية لا تقدر بثمن ، فكان في حالة مزرية ، و لكن الترميم يستهدف تحويله إلى معلم سياحي للإستجمام ذو ريعية إقتصادية و إضفاء لمسات عثمانية عليه ” .
و هنا لا بد الإشارة إلى نقطتين هامتين
( تغيير الملامح _ الترويج السياحي ) دون ذكر هويته التاريخية الكُردية” هوري ” و لهذا بأن الخطة تستهدف مع مرور الزمن و إجراء التغيير الديموغرافي حتى تأخذ أبعاداً إضافية لن تتوضح النوايا التركية إلا من خلال ربط ثقافة المنطقة بالثقافة التركية و التي نلمسها يوماً بعد يوم .
أيضا لا بد من ذكر إتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية خلال الحروب و الصراعات المسلحة و التي تم إقرارها في 14 أيار 1954 . و قد جرت محاولات دولية لتعديل الإتفاقية ، و أُدخلت عليها التعديلات عام 1991 و تضمن الإتفاق تعهد الدول بحماية الممتلكات الثقافية و وقايتها و إحترامها ، سواء في أراضيها أو أراضي الدول المتعاقدة الأخرى و منع إستعمال هذه الممتلكات أو الوسائل المخصصة لحمايتها أو الأماكن المجاورة لها مباشرة لأغراض قد تعرضها للتدمير أو التلف في حالة نزاع مسلح وعدم جواز أي عمل عدائي إزائها ، و نص على تحريم أعمال السرقة و النهب و تبديد الممتلكات الثقافية و وقايتها من هذه الأعمال و وقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها و تحريم التخريب الموجه ضد هذه الممتلكات ، كما تعهدت بعدم الإستيلاء على الممتلكات الثقافية منقولة كائنة في أراضي أي طرف سام متعاقد أخر و الإمتناع عن أية تدابير إنتقامية تمس الممتلكات الثقافية .
و من هذا المنطلق يتوضح حالياً مدى مخالفة حكومة الإحتلال التركي و الميلشيات المسلحة التابعة للحكومة السورية المؤقتة و الإئتلاف الوطني السوري و إرتكابها الجرائم الإنسانية بحق الممتلكات العامة و الآثار التاريخية للمنطقة الكُردية في عفرين ” جياي كورمنج- كورداغ ” و هنا لا بد للإشارة بأن تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان للدورة 45 بتاريخ 14 سبتمبر _ 02 أكتوبر 2020 ما يلي بخصوص موقع النبي هوري في الفقرة 63 : نهب عناصر الجيش الوطني السوري و دمروا مواقع دينية و أثرية ذات أهمية بالغة في منطقة عفرين ، على سبيل المثال قامت قوات الجيش الوطني السوري بنهب و حفر القطع الأثرية القديمة بما في ذلك الفسيفساء من موقع سيروس الأثري الهلنستي و كذلك معبد عين دارة المحمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة ( اليونسكو ) أظهرت صور الأقمار الصناعية أن كلا الموقعين قد تعرضا على الأرجح للجرافات بين عامي 2019 _ 2020 ( أنظر الملحق الثاني )
و كذلك قد تم الإشارة في الفقرة 64 إلى الأضرحة و المقابر الإيزيدية و دمرت جزئياً عبر مواقع في جميع أنحاء منطقة عفرين مثل قسطل جندو و عرش قيبار و جنديرس و شران . و كذلك التطرق إلى إرتكاب جرائم الحرب التي تتمثل في النهب في منطقتي عفرين و سرى كانية فقرات ( 47 _ 51 _ 64 ) .
نحن في ” منظمة حقوق الإنسان في عفرين ” بدورنا نناشد المنظمات الدولية _ اليونسكو _ و المنظمات الإنسانية منها و الحقوقية و الشخصيات الإعتبارية المهتمة بالثقافة و العلوم التاريخية و كل من يهتم بالحضارة الإنسانية بالتدخل لحماية التراث الثقافي _ التاريخي _ الحضاري _ للأمة الكُردية في كُردستان سوريا و وضع حد للإحتلال التركي الجائر بواسطة قواته و بمساعدة الميلشيات المسلحة السورية الموالية لها في البحث و سرقة و نهب الكنوز و اللقى الأثرية التي تختزنها المواقع الأثرية في منطقة عفرين ( جياي كورمنج _ كورداغ .
منظمة حقوق الإنسان في عفرين
24/12/2020